قصة الذئب والحمل بين الرئيس جيلى وجامع أومار
انتشر فى الأونة الأخير نبأ اعتقال التاجر الكبير جامع أومار على ايدى السلطات الجيبوتية حيث تم احتجازه ليومين قبل اطلاق سراحه بكفالة الى حين مثوله أمام المحكمة. ولم تدل الحكومة الجيبوتية بأيه معلومات رسمية وراء اعتقال أكبر تاجر فى جيبوتى والصومال عموما. بيد أن الشائعات تفيد بأنه اعتقل على خلفية تدفق سجائر مهربة من صومالاند الى جيبوتى حيث ادى ذلك الى زعزعة اسعار سوق السيجارة فى جيبوتى كما أن هناك شائعة أخرى أكثر انتشارا وتتمثل فى لقاء جرى بين أومار و التاجر المعارض عبد الرحمن بورى فى دبى.
و تساءلت نفسى عن سر مفاجأة هذا الاعتقال ولما نعهد فى تاريخ جامع أومار التجارية من أى انخراط له فى عالم السياسة والجميع يعلم حدة أنياب الرئيس جيلى لكل من تسول له نفسه بالاقتراب الى عرين مملكته وقساوة تعامله مع خصومه السياسيين . وما أمر ما ال اليه رموز ساسة المعارضة فى الانتخابات الأخيرة ببعيد.
فلما لم أسمع تهما رسمية وجهت اليه الى الان من قبل جهة رسمية فى جيبوتى، تذكرت قصة الذئب والحمل حيث تعبر عن مدى استعراض القوى لعضلاته أمام الاضعف منه والبحث عن أى مبرر للقضاء على فريسته. يروى ان وقف ذئب يوماً ليشرب من أعلى النبع، فإذا بحمل صغير يشرب من أسفل النبع، فقال له الذئب: “لماذا تعكر عليّ الماء؟” فقال الحمل الصغير: “وكيف لي أن أعكر عليك الماء وأنت تقف في أعلى النبع، والماء يأتيني من جهتك فكيف أعكر عليك الماء؟ قال الذئب لابد أنك عكرته العام الماضي! قال الحمل ولدتني أمي هذه السنة ولم أكن موجودا في العام الماضي. قال الذئب لعل أباك هو الذي عكر مائي سأنتقم منك! قال الحمل لقد باعه راعينا الى القصاب وذهب به بعيدا ولم يشرب من هذا النهر. قال الذئب اذن..هي أمك التي عكرت مائي.
ان قصة الذئب والحمل تعبر عن الروح العدوانية وتبريرها للحصول على المطلوب بأى ثمن. ويتبين لكل مراقب سخافة اتهام اوماربتهمة تهريب سجائر الى جيبوتى وهوالذى يعد من كبار مستوردى السجائر وموزعيها بالجملة على مستوى المنطقة. فهل يعقل بان يوجه اليه بمثل هذا الاتهام؟ اوربما كما توحى القصة السابقة يمكن ان اباه اوعمه قد اغرقا سوق جيبوتى بالسجائر المهربة! يا للمهزلة.
فاذا لم يكن هذا سببا كافيا وعذرا مقبولالالتهام الفريسة فلا زال هناك مبرر أقوى بقى فى جعبة الحكومة الجيبوتية متمثلة برئيسها للقضاء على الضحية وهو أنه اجمتع مع معارض للحكومة فى الخارج كما أخبرته عيونه المنتشرة فى بقاع الأرض. لنفترض جدلا انهما التقيا فى الخارج (اومار-بوري) أليسا شريكين بالتجارة فى العهد القريب؟ ألا يمكن أن تكون بينهما معاملات غير منتهية بعد و يريدان التوصل الى حلها؟ أيعد هذا سببا واقعيا فى اغلاق و تجميد تجارة بحجم تجارة اومار والتى يسترزق من ورائها الالاف من البشر وتدر الملايين من الدولارات لصالح خزانة الحكومة دون امر قضائى بالاحتفاظ على أمواله لجريمة قانونية ارتكبها وتستوجب ذلك؟ ولكن كل هذا هين فى نظر الدولة البوليسية حيث لا يوجد قضاء وتجتمع جميع مؤسسات الحكومة فى يد حاكمها الامر والناهى.
ان المشكلة تكمن فى أن حكام العالم الثالث لا يعتبرون بما يجرى حولهم الا بعد فوات الاوان. فبينما نحن نعايش هذا الزمن المتقلب فى العالم العربى والاسلامى الذى يستحيل تكهنه بما سيحدث فى اليوم الذى يليه، نرى تعنت حاكم جيبوتى واصراره فى الظلم والاستبداد . فبالأمس القريب زج العلماء والدعاة فى غياهب السجون, وارسل جميع معارضيه السياسين الى الزنزانات والمعتقلات. ولما لم يجد فريسة سياسية اخرى فى الداخل وجه ضرباته الاستباقية الى اصحاب الاموال خشية ان يمثلوا خطرا على مملكته فى يوم ما. وصدق المثل الصومالى حين يقول بأن الحمل الصغير يخشى من الماء الماكث فى بطنه ودائما ما يتخيل للمستبد الحاكم وحده أخطار محدقة لا يراها الاخرون ومن ثم يقوم كالثور الهائج والتائه بنطح كل من يصادفه او يعترض طريقه، و لانه يعز على نفس الرئيس أن يرى اناسا استغنوا عنه. فمن عادة المستبدين استعدائهم لامتلاك الأموال لانهم يرون فى ذلك انفلاتا من قبضتهم حيث تنشرح صدورهم عادة عندما يروا كل هذه الطوابير المصطفة فى عتبات قصورهم والتى تستجدى من رحماتهم فيعطوا أو يمنعوا.
ومن حكمة الله ان تتوالى هذه الأحداث فى أعقاب فترة استعادت المعارضة عافيتها ورتبت اوراقها من الداخل حيث من الجهة الأخرى ابتلى الرئيس بأمراض خطيرة يطلب علاجها بين الفينة والاخرى الى الخارج مع تقدمه فى السن. ولله در الشاعر حسن جنى عندما صاغ صورة تمثيليه فى احدى اشعاره لضبع تقدم به العمر وطلب من أبنائه بعد ان اعجزه المرض بأن يذهبوا به بعيدا عن أعين الناس وفى منطقة نائية حتى يقضى بقية عمره هناك مختفيا عن الناس. فكلما حاولوا وضعه فى مكان او كهف ذكرهم بانه قتل اخر فريسة هنا اوهناك. وبعد طول كد وعناء من حمله سألوه ماذا سيفعلوا به بعد أن رفض الأرض كله، فارشدهم الى ان يحملوه على الاكتاف دوما دون ان تطأ قدماه على الارض لكثرة مظالمه ولان ظلمه عم جميع بقاع الأرض فلم يجد ارضا تستقبله أو سهلا يرحب به. ضاقت عليه الأرض بما رحبت.
وحقا فان التاريخ مراة تعكس مجريات الامور والحصيف من يأخذ العبرة بما ال اليه امر قرينه. فأين نهاية حسنى مبارك وأعوانه وكيف كانت خاتمة معمر القذافى وأبنائه! الى اين ذهب زين العابدين وكيف ترك عبدالله صالح الحكم. فكل هذه صور حية لنهاية مستبد على وجه الارض وأترككم بهذه الابيات لاحد كبار شعراء الأندلس فى تصوير حقيقة الحكم ومصيره وأن دوام الحال من المحال:
لكل شيء إذا ما تم نقصان **** فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دولٌ ****من سرَّهُ زمنٌ ساءته أزمانُ
وهذه الدار لا تبقي على أحد **** ولا يدوم على حال لها شانُ
يمزق الدهر حتمًا كل سابغةٍ**** إذا نبت مشرفيات وخرصان
وينتضي كل سيف للفناء ولو **** كان ابن ذي يزن والغمد غمدان
أين الملوك ذوو التيجان من يمنٍ****وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ
وأين ما شاده شدَّادُ في إرمٍ **** وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ
وأين ما حازه قارون من ذهب **** وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ
أتى على الكل أمر لا مرد له**** حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا
وصار ما كان من مُلك ومن مَلك **** كما حكى عن خيال الطيفِ وسنانُ
دار الزمان على دارا وقاتله **** وأمَّ كسرى فما آواه إيوانُ
كأنما الصعب لم يسهل له سببُ **** يومًا ولا مَلك الدنيا سليمان
فجائع الدهر أنواع منوعة **** وللزمان مسرات وأحزانُ
عثمان جيرى
osmangireh1980@gmail.com