خاص: الإمارات تسيطر على موانئ «شمال الصومال» وتعزز من تقسيم البلاد

أفاد مصدر خليجي مطلع لموقع الخليج الجديد أن دولة الإمارات العربية المتحدة قامت بالحصول على عقود إيجار طويلة الأجل للموانئ في جمهورية شمال الصومال غير المعترف بها. وباتت تدير الأوقاف الإسلامية هناك ضمن مخطط لتعزيز تواجدها وتقسيم الصومال.

مقدمة

كانت منطقة القرن الأفريقي تاريخيًا، ولاسيما الصومال، عرضة إلى أطماع دولية واستعمارية متنوعة، نظرًا للأهمية التي تتمتع بها المنطقة جغرافيًا كنقطة ربط للتجارة الدولية على البحر الأحمر. وكانت أكبر هذه الأطماع من الجارة إثيوبيا، التي لا تتمتع بأي تواجد على البحر الأحمر أو أي منافذ بحرية خاصة بعد انفصال أريتريا عنها، في حين أن الصومال تمتلك أكبر ساحل على المحيط الهندي. ومنذ قيام الاحتلال البريطاني بتسليم إقليم أوغادين الصومالي إلى إثيوبيا عام 1954 على غير رغبة من أهل الإقليم أو من الصوماليين أنفسهم، بدأ العداء بين إثيوبيا والصومال في التفاقم.

وعلى عكس المأمول، لم يحقق استقلال الصومال عن الاحتلال البريطاني أي استقرار أو سلام. بل تمزقت الصومال بين حركات انفصالية وحكومات هشة لاتستطيع إحلال الأمن أو تحقيق وحدة أراضيها. وفي عام 1991 أعلن الجزء الشمالي من الصومال انفصاله عن جمهورية الصومال الاتحادية، وأعلن حكمًا ذاتيًا لم يستطع الحصول على اعترافٍ دوليٍ به حتى الآن.

وجاء موقف دول الخليج الرسمي متماشيًا مع الموقف الدولي بدعم وحدة أراضي الصومال، ورفض الاعتراف بالحركات أو الأراضي الانفصالية، ومن بينها «أرض الصومال». إلّا أن التحركات الأخيرة للإمارات خلال العامين الماضيين، لم تكن تخدم هذا الاتجاه. فبعد أن كانت إثيوبيا هي الدولة الأكثر تواجدًا داخل «أرض الصومال» طمعًا في الحصول على أحقية إدارة موانئ الإقليم مما يتيح لها تواجدًا بحريًا على البحر الأحمر، دخلت الإمارات لتصبح الدولة الأكثر تعاونًا مع حكومة «أرض الصومال» لتحصل مؤخرًا على أحقية إدارة موانئ الإقليم بعقد يمتد لـ 30 عامًا.

دور الإمارات ودول الخليج تاريخيًا في الصومال

خرج الاحتلال البريطاني من أرض الصومال، وسلم إقليم أوغادين الصومالي لإثيوبيا، الجار اللدود للصومال، على غير رغبة من أهل الإقليم أو من الصوماليين أنفسهم. وفي عام 1977 بدأت قوات صومالية مكونة من 35 ألف جندي بالتحرك لتحرير إقليم أوغادين بدعم من محدود من بعض دول الشرق الأوسط وآسيا، ومن بينها دول الخليج العربي. وأرسلت الإمارات مقاتلات هوكر هانتر لمساعدة الصوماليين، وأرسلت دول خليجية أخرى حاملات جنود من النوع بريتن نورمان دفندر. وبعد شهرين من بدأ الحرب كانت القوات الصومالية قد استعادت 90% من الإقليم، وفي هذا التوقيت تدخل الاتحاد السوفييتي وكوبا بدعم إثيوبيا بـ 18 ألف مقاتل كوبي و1500 مستشار سوفييتي و2000 جندي من اليمن الجنوبي، واستغاثت الصومال بالمجتمع الدولي والولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، إلا أنّ التواطؤ الدولي حدث بنكث نظام «جيمي كارتر» لوعده بمساعدة الصوماليين، ومن وراءه انسحبت كل الأطراف الأخرى ومن بينها دول الخليج، اضطر القوات الصومالية إلى الانسحاب.

انفصال أرض الصومال (صوماليلاند) والأطماع الدولية

تبعت تلك الأحداث انقسامات داخلية عديدة وصراعات قبلية وإقليمية محلية، في ظل فشل ذريع لحكومة الصومال الهشة في السيطرة على مقاليد الحكم في البلاد، وهو ما أدى إلى ظهور حركات وجماعات إنفصالية في العديد من أنحاء البلاد. ودب الفقر والأمراض وانعدم الأمن في البلاد. وفي عام 1991، أعلن النصف الشمالي من البلاد إنفصاله عن دولة الصومال، وأعلن حكمًا ذاتيًا من جانب واحد، ويسعى منذ ذلك الوقت للاعتراف الدولي. ورغم إعلان المجتمع الدولي دعمه لوحدة الأراضي الصومالية، فإنّ الأطماع قد زادت من جانب العديد من الدول والقوى العظمى للتواجد في الأراضي الجديدة لاستغلال ثورتها النفضية، وقيمتها التجارية.

سعت الولايات المتحدة كثيرًا لإيجاد نفوذٍ لها في الصومال على حساب فرنسا وإيطاليا، لكنها لاقت تجربةً مريرة أدت بها إلى الانسحاب من الأراضي الصومالية في عام 1994.

دورها استغلت إثيوبيا ذلك الانفصال، بتقديم العون والمساعدة لحكومة «أراضي الصومال» وأملت كثيرًا في الحصول على حق إدارة موانئ الإقليم على البحر الأحمر، وهو ما دعمته الولايات المتحدة الأمريكية.

المكاسب الإماراتية على حساب وحدة الصومال

أكدت العديد من المواقف الدولية دعم المجتمع الدولي لوحدة أراضي الصومال، ومن بين المجتمع الدولي جاءت دول الخليج ومنها دولة الإمارات التي أكدت في أكثر من موقف دعمها للوحدة والتصالح بين شطري الصومال الممزق.

وبالرغم من الموقف المعلن، سعت الإمارات لتحقيق مكاسب اقتصادية واستراتيجية داخل «أرض الصومال» على حساب الوحدة المزعومة. وبالرغم من رعاية دولة الإمارات لمبادرة مصالحة بين أطراف الأزمة الصومالية، بتوقيع الأطراف على ميثاق دبي للمصالحة بعد محادثات في لندن واسطنبول، إلا أنّ النشاط الإعلامي والاقتصادي والسياسي الإماراتي خلال العامين الماضيين لم يلعب أبدًا في جانب الوحدة.

وروج الإعلام الإماراتي خلال العامين الماضيين لدولة «أرض الصومال» غير المعترف بها دوليًا، كأرضٍ للاستقرار والثقافة والديمقراطية. وقالت «أمينة العريمي» الباحثة الإماراتية في الشأن الأفريقي في مقال لها على جريدة الفجر الإماراتية: «لتعزيز دور خليجي في الصومال لابد من التفريق بين الموقف السياسي الخليجي الداعم لوحدة الأراضي الصومالية وبين المصالح الخليجية المتواجدة في الأقاليم شبه المستقلة. فلابد من مضاعفة الفرص الاستثمارية الخليجية في الأقاليم الصومالية خاصة أنها تشهد أمنا واستقرارا، والابتعاد عن إشكالية السياسي والإنساني في قضية المساعدات والعون الأهلي وتعزيز مد يد العون لشعب الصومال والأقاليم المطالبه بالحكم الذاتي لأن ذلك لا يعني بالضرورة الاعتراف باستقلال تلك الأقاليم».

وعلى موقع «الإمارات اليوم» تمت ترجمة مقال نسب إلى صحيفة «واشنطن بوست»، يتحدث عن «أرض الصومال» بوصفها «دولة طموحة تنتخب برلمانها ورئيسها، يملأها الاستقرار بعيدًا عن الصومال التي يتفشى فيها القرصنة والحروب والتمرد».

وأعلن رئيس «أرض الصومال»، «أحمد محمد سيلانو»، في يونيو/ حزيران من العام الماضي، عزم الإمارات إنشاء مشاريع ضخمة في (صوماليلاند) شمال جمهورية الصومال الاتحادية. كما أكد وزير خارجيته، «محمد بيحي يونس»: «إن الإمارات تساعد أرض الصومال في مجالات عديدة وعلى رأسها إعادة إعمار وتنيمة مجالات التعليم، والمستشفيات، وتوليد الطاقة والصرف الصحي للمياه ، بالإضافة إلى تعبيد الشوارع الرئيسية في مدينة هرغيسا (العاصمة) والمناطق المحيطة بها».

نفوذ إماراتي جديد في القرن الأفريقي

أعلنت صحيفة «وول ستريت جورنال» في مايو/ أيار هذا العام، حصول الإمارات، عن طريق شركة دي بي وورلد التابعة لإمارة دبي، على حق إدارة ميناء بربرة أهم موانئ «أرض الصومال» بعقد يمتد لـ 30 عامًا. ويعد ذلك نقلة نوعية لنفوذ الإمارات داخل القرن الأفريقي، وكذلك لمستقبل «أرض الصومال»، حيث يوفر ذلك الأمر مركزًا بديلًا للموانئ العالمية عن جيبوتي على البحر الأحمر في القرن الأفريقي.

ولا تقتصر مكتسبات الإمارات من هذا الأمر على مكسبها الاستراتيجي بسيطرتها على واحدٍ من أهم موانئ البحر الأحمر في القرن الأفريقي، أو العائد الاقتصادي من وراء ذلك الأمر، بل إن كون «أرض الصومال» تملك احتياطيًا واعدًا من النفط يتنازع عليه العديد من الأطراف الدولية والمحلية، فإنّ إدارتها لميناء بربرة وسعيها نحو السيطرة على باقي الموانئ يجعلها الأوفر حظًا للاستفادة من ذلك النفط، وكل ذلك على حساب وحدة الصومال، حيث لن تحصل الإمارات على كل هذه الامتيازات مع صومال موحد.

وفي تصريح لمصدر خليجي مطلع لموقع للخليج الجديد، ققد أخبرنا أن الإمارات حصلت، بالإضافة إلى إدارة الموانئ، على حق إدارة الاوقاف الإسلامية في «أرض الصومال» وهي خطوة أخرى لتعزيز تواجدها وزيادة نفوذها في المنطقة، وهذه المرة من الباب الثقافي والديني.

سيطرة الإمارات على باب المندب

وفي إطار تعزيز نفوذها وتواجدها داخل القرن الأفريقي، أعلنت الإمارات في وقت مبكر من شهر يناير/ كانون الثاني هذا العام، إعادة فتح سفارتها في جيبوتي، وإعادة العلاقات الدبلوماسية التي تضررت في أبريل/ نيسان من العام الماضي إثر خلافات حول حق الإمارات في إدارة ميناء جيبوتي وفق عقد تم توقيعه بين الجانبين في عام 2005.

التحركات الإماراتية حول منطقة باب المندب لم تقتصر على جيبوتي أو الصومال. مؤخرا، حصلت دولة الإمارات على عقد إيجار لمدة 30 عاما للاستخدام العسكري لميناء عصب في أريتريا إضافة إلى مطار، مع مدرج بطول 3500 متر، يمكن لطائرات النقل الكبيرة من الهبوط عليه. وقد تحولت إريتريا إلى مقر لحشد وتدريب القوات المدعومة من الإمارات في اليمن. ومع تشبث الإمارات خصيصا بتواجدها في عدن ضمن إطار الحرب الخليجية في اليمن، والاتفاق الأخير بإدارة موانئ «أرض الصومال» فإن الإمارات تهدف إلى خيوط اللعبة للسيطرة تمامًا على مضيق باب المندب، وهو ما يعطي للإمارات نفوذا كبيرًا في هذه المنطقة، وتحكمًا في واحدٍ من أهم الممرات البحرية في العالم.

المصدر | الخليج الجديد

https://medium.com/thenewkhalij